انهضي، ستنهضي

بقلم / سعيد بن علي المغيري
كُلما لاحَ برج وُريد، كُنت أستحِثُ الصعودَ إلى الربوةِ التي تُحاذيه. فبيني وبينكِ شارعٌ مُمَهد، وسيارةٌ لا تَنتظِرُ الرياح حتى تَتَنهّد، فالرحلةُ إليكِ ليست مُرتبطة بهبوبِ الكوس. وحبي لكِ شيءٌ محسوس، وشعورٌ ملموس.
وبمجرد تجاوز وُريد، رُوَيدًا رُوَيدًا يبدأُ النُزول التدريجي، بسرعةٍ تُنافس الوادي الغربي، فإليكِ من المدنِ نَعود أطلال بشر، منهكين من الحَضر ومن السفر، نعود نطلبكِ، يا بلاد الابتسامات التي لا تغيبُ عن البال، ويا حبًا خالدًا قصر الزمان أو طال، فأنتِ المكان الذي منه المكانة، وأنتِ الزمان الذي طاب زمانه.
يا دار الميلاد والممات، كفى نومًا، كفى سُبات. قومي نُصلي ركعتين في الحائمة، قومي نَزُر شيخًا في اليحمدي، تعالي نُشاهد عرضًا للخيل في الثابي, أو نمشي في النصيب تحت ظلال الضواحي، قربي لنا من الحزم قهوةً بالزَعفران, وافتحي لنا بيت زهران, و انطلقي لتفرشي المنزفة بالياسمين, ولنحضُر مُحاضرةً في أبورحلين.
كفى نومًا واستيقظي قبل أن يُكمل الشيخ عبدالله الخياط قراءة أواخر سورةِ البقرة، وقبل أن تنتهي فيروز من ” زوروني كل سنة مرة”، تعالي فالسواحل ليست آخر السَفرِ، و لكِ طولُ العمرِ، تعالي و شاهدي أبناءكِ و بناتكِ لهم في عَواصمِ العالم خَبر، بواشنطن وطوكيو وجنيف وطهران وبرلين ودار السلام وغيرُها اسمُهم قَد حَضر. تعالي وافخري فلهم في عُمان داخِلها وخَارِجها مَقامٌ رَفيعٌ وخَطر. قومي فلا نَرْضى إِلَّا بأن تكوني حُلوةَ الصُورة والمعنى، جَميلةَ اللفظِ والمَغزى.
اِنهَضي، لا تَنهَضي إن لَمْ تَنهض الجماعة.
اِنهَضي، لا تَنهَضي دون وِحدَة الهَدف واِتحاد الجُهود.
اِنهَضي، سَتنهضي حين نَجتمع. فالوادي الغَربي حين يلتقي بالوادي الشرقي يكون الوادي الكَبير، وأنتِ ماضٍ بالذكر جَدير، وحاضرٌ رجالهُ ونساؤهُ مَحلُ التَقدير، فانهضي وازدهري، فالمستقبلُ أَمامكِ طَويل، و كُلنا لكِ نُريد رَد الجَميل.
ولا يَخفى على ذِي بَال، أن نَهضة إبراء وازدهار ما بِها مِن أعمال، يَكون بالعَزيمة والإدارة والمال، وأن اِستقرار ونجاح الأفراد، هُو طَريقٌ يؤَدي لمصلَحةِ البِلاد. وإن ما نأملهُ من تَكامُل، قَريبٌ وممكنٌ بالتكاتُف والتكافل.
وفي سياقِ هذا المقال، مُحاولةٌ بالحثِ لصالحِ الأعمال، مع ذِكر لذلكَ مثال، رغبةً بالتعريفِ بأصحابِ الجُهودِ المَشكُورة، وتخليدًا لذكرى المُبادرات المحمودة.
و على وجهِ التَحديد، أَذكُرُ خَبرَ جَمعية أبي بشار، التي خبرها مفرحٌ وسار. وهذه الجمعيةُ التي أسَسَها و يُديرُها الأُستاذ الفاضل يحيى بن سعيد بن سيف المصلحي تَمضي في عَقدِها الثاني بنموٍ منقطعِ النّظير، و توسعٍ قلّ له مَثيل. فمُنذُ اِنطِلاقها في عام تِسعةٍ بعد الألفين للميلاد وأكثرُ من ثلاثة آلاف مُشتَرِك قد استَفادوا وأفَادوا.
وهذا التعاضُد ليس بجديدٍ على إبراء أو غيرها من ولاياتِ هذا البلد الطيب. فَمِما عُهد مُنذُ أَمدٍ بَعيد في بيئتنا الاستِثمار المُتَبادل للوقت. وهذا الذي يُرى بوضوح مع قُدوم تَباشير النخلة صيفَ كُل عام. فالغُلَّةُ -تبارك الله- وفيرة، و موسم القَيظ يَحمِل في طيّاتِه مهامًا كثيرة، فالجِدَادُ فالتّبسيل ثم الهماد، أشغالٌ تُنفذُ حين الحصاد. ومن بابِ التَعاضُد المُتبادل في هذا المجال، أن ترى الشباب وقد اجتمعوا لجِدَاد مزرعةِ العم، و بعدها يَجِدوا مع أبناء الجار، و هكذا دواليك، خَيرٌ لك و حَواليك.
والمثالُ نفسُ المثال، هُناكَ المُساهمة تَكون بالوقتِ، وفي الجَمعيات تكون المُساهمات بالمال. وعن الخَبر، فإن جمعية أبي بشار في هذا العام فقط تتداول ما مجموعهُ سَبعة ملايين ريال عماني.
سبعة منها فُتِحت بُيوت، وأغلقت منها ديون. و اجتمع اثنان على كتاب الله و سنة رسوله، سبعةٌ منها طُرِقت تسعةُ أعشار الرزق، و منها ما صُرفت لطريقٍ يُلتَمَسُ فيه العلم، و منها ما وضعت في دواءٍ و علاج. ومنها ما فُكت به الكُرب.
والريال الذي تأخذه اليوم ترجع مكانَه ريال. فمِثلما استلمت تُعيد، دُون أن تلتَفت لقرارت الفيدرالي الأمريكي، ودُون مُتابعة أخبار رَفع سِعر الفائِدة.
تَعاضُدٌ يُبعِدك عن الاشتِغال بانعِكاسات التضخّم، ونتائج الكساد. تَكاتُفٌ يُريحك من حِسابات الفوائد، ومعرفة مُعادلات الفائدة المُركبة والفائدة البسيطة. ولا شك قبل كُل هذا وذاك يُبعدك عن الحرام، ومواطن الآثام.
وهذا الاستمرار في الجمعية طَوال الأعوامِ الماضية، وهذا النمو الُمطرد لهو خَيرُ بيان، وأوضحُ بُرهان، على إخلاص وصدق مؤسسها ومديرها. ثم إن العملية التنظيمية والتنسيق والتواصل المُستمر للجمعية، يتطلبُ ما هُو أَبعَدُ من الصِدق والإخلاص. فالتفاصيلُ الإدارية، والإجراءات التنفيذية، تتطلب حضورا ذهنيًا، وتصورًا تنظيميًا. وهذا لا يَتأتى دون انضباط دائم، وتركيز حاضر وقائم. وكل هذا مُمكِنٌ فقط إن توفرَ دَافعٌ دَاخلي نحو مَقصِدٍ عالٍ وهدف سامٍ.
وختامًا، فإن مثل هذه الجهود، لحرّيٌ بها أن تُدعم وتُحفز. كي نضمن استمرارها من جِهة، ومن جِهةٍ أُخرى كَي نُوفر البيئة المناسبة المُشجعة لغيرها من المُبادرات، في شتى المجالات. وإن إعطاء الثقة لأصحابِ هذهِ الجُهود في غيرها مِن المسؤوليات، ليسَ من بابِ المُكافاةِ أو التكريم. ولكن من منطلقِ أن يُوافِق الاختيارُ أهلهُ، وينصِفَ من يَستَحِقه.





