حبال كذب الاحتلال قصيرة

تحسين يقين

بتصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بعد أن قال: “إن عملية طوفان الأقصى لم تأت من فراغ، بل نتيجة القتل والحصار وهدم المنازل والقمع، وبالتالي يجب أن يسأل الاحتلال نفسه إلى أين هو ذاهب في قمع الشعب الفلسطيني”، والذي سيتلوه شجعان دوليون آخرون، فإن معركة دبلوماسية أممية ودولية قادمة لن تستطيع إسرائيل المحتلة مواجهتها، حتى لو تم دعمها من قبل الولايات المتحدة ودول من أوروبا الغربية.
فهل سيسأل الاحتلال نفسه إلى أين هو ذاهب في قتل شعبنا؟ سيسأل الاحتلال أسئلة كثيرة بل أسئلة وجودية أيضاً، وسيكتشف كم كان مغروراً وهو يرفض حق شعبنا في تقرير المصير.
إنه الغرور الذي جعل دبلوماسية الاحتلال تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة الاستقالة، لعل الأمم المتحدة قريباً تطرد إسرائيل فعلاً منها.
فقط ينجح الاحتلال في القتل والتدمير، لكن لن ينجح طويلاً، فكل ما يقوم به من جرائم حرب علناً لن تثني شعبنا عن طريق التحرر، فلا راية بيضاء سترتفع، بل سيتعمق السؤال الدولي ليس عن حلف فرنسا المقترح بل عن انتهاء الاحتلال.
إن مبالغة الاحتلال بعمليات القتل والتدمير، ليست نابعة من الردّ الفعلي على عملية السابع تشرين الأول، بل تأتي فعلاً في سياق التهجير، فإسرائيل فعلاً جادة دوماً بتهجيرنا، كما تأتي كرسالة لـ”حزب الله”، بأنه ينتظركم، الجنوب وبيروت بل لبنان دمار مشابه إن تحركتم.
هذه هي اللغة التي تفهمها إسرائيل: لغة القوة، فإن لم تنفع، فعليها استخدام قوة أكثر، ولكن مهلاً، بعد هذه القوة والاستئساد على المدنيين، ماذا هي فاعلة فعلاً؟
الحقيقة الكبرى إن انتصرت إسرائيل أو انهزمت ستظل ماثلة أمام العالم: إنهاء الاحتلال، فهلا فكرت في لغة أخرى حضارية؟
لا عقل ولا قلب، هو جنون القوة المتغطرسة التي بها نالت كره العالم واحتقار شعوبه، والتي لم تأت أصلاً بالسلام والأمان، ولن تأتي به.
الآن، لم تعد لغة الخداع لتنطلي على أحد، وسيجد حلفاء إسرائيل أنفسهم غير قادرين على المضي الفعلي بهذه الطرق الإرهابية، ضاربين بالمواثيق والأعراف الدولية عرض الحائط مجاملة للاحتلال.
بعد هذا التدمير، ماذا ستفعل دولة الاحتلال؟ حرب برية ما زالت تؤجلها، فإن حدثت فهي لن تؤدي إلا إلى تعميق حالتَي العار:
– الارتباك والتخبط والتورط.
– جرائم حرب.
الآن إن بقي بعض العقل لدى الاحتلال، عليه أن يفكر أمامه أبعد من مرمى مدفع دبابة وطائرة: العودة إلى أصل الصراع، وهذا لا يعني إلا شيئاً واحداً: إنهاء الصراع وإلى الأبد. فليس هناك من ضمان ما سوف يفعله الناجون من المحرقة الفعلية.
للأمم المتحدة وحلفاء إسرائيل قراءة الواقع بصراحة، بعيداً عن لغة التعاطف الكاذبة والواهمة مع الاحتلال، وذلك بتوجيه إسرائيل ونصحها بفتح صفحة جديدة مع الشعب الفلسطيني العريق والعظيم، لأنه لن يستسلم، بل ما زال فاتحاً يديه وقلبه للسلام الحقيقي القائم على العدل.
دار الظالمين خراب يا سيدي، هكذا علمنا جدي حسن – رحمه الله – من طول تجاربه الاجتماعية والسياسية، وهو الذي عايش فترات الحكم من أواخر العهد العثماني وصولاً للاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي خاطب دورية احتلال تسطو على أمان قريتنا في يوم سبعيني وهو يمشي على عكازه: لولا الانكليز عليكم!
رحم الله سيدي حسن عبد الله، ورحم ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع حينما قال: الظلم ينبئ بخراب العمران، هكذا هو درس التاريخ، وتلك هي دروس السماء من قبل وبعد، تلك سنة الحياة.
فإن لم يكن ما تفعله إسرائيل في غزة جرائم حرب، فما الوصف لما تفعله؟”، كما قال المبعوث العماني في الأمم المتحدة، فهل هناك من يتقبل اليوم هذه الجرائم؟ الجواب: من يقبل بجرائم الحرب مشارك فيها.
آلاف، بل عشرات الآلاف من القصص المروعة لن تذهب روايتها، بل إنها اليوم تنتقل من إنسان إلى آخر، في هذا العالم، ولن يكون عالم ما بعد غزة كما كان سائداً قبله.
إما يكون سلاماً مبنياً على احترام كرامة الشعب الفلسطيني فعلاً، وإما استمرار الصراع والذي لن يضمن للاحتلال أمناً ولا سلاماً. وستواجه دولة الاحتلال بحروب متنوعة، من صنع البشر في كل مكان، ولا تظنن إسرائيل أبداً أن العرب ماتوا، بل إنه للصبر حدود، والعقل هو من يجب أن يعطى الفرصة لا الغرور، فلا تفوق سيدوم، ولا تفوق سيحمي، ولا تطبيع في الطريق ما دام الاحتلال بهذه الجرائم. سيقول العربي مستنكراً: “يحييني ويقتل ابن عمي”!
لقد دقت إسرائيل في علاقات التطبيع خنجراً مسموماً، حيث سيكون ذلك صعب التحقق، إن لم تعكس جريمة الحرب على غزة نفسها على كل المشهد، فيتحول التقارب إلى تباعد وتنابذ.
إن عملية “طوفان الأقصى” لم تأت من فراغ، بل نتيجة القتل والحصار وهدم المنازل والقمع، وبالتالي يجب أن يسأل الاحتلال نفسه إلى أين ذاهب في قمع الشعب الفلسطيني”.. هكذا قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي طلب منه وزير خارجية الاحتلال الاستقالة.
من المهم أخيراً، على الرغم من سوء ردود فعل حلفاء إسرائيل، الانتباه إلى ما تم التأكيد عليه، بأن الحل هو دولتان لشعبين، فالدولة الفلسطينية قادمة، بل إنني أراها الدولة الفلسطينية في فلسطين التاريخية التي ستستوعب من يعيش فيها متخلصاً من العنصرية.
“حبال الكذب قصيرة” يما، يابا، يا سيدي حسن، يا خال ويا عم، ويا كل الناس من ذوي الحكمة، فالسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه. ولن نجد في التاريخ من هو أشقى من المحتل.

زر الذهاب إلى الأعلى