تاريخ عيد الربيع الصيني

أتاك الربيعُ الطَلق
عيدُ الربيع – شهرُ العسل
الصينيّ
أسامة مختار
كاتب سوداني
———————————
يُصادف يومُ العاشر من فبراير هذا العام2024م بدايةَ الاحتفالات بعيد الربيع أوعيد رأس السنة الصينية الجديدة أو رأس السنة القمرية هو تقليدٌ احتفالي يعود تاريخُه إلى نحو أربعة آلاف عام وهو أهم المناسبات الاحتفالية التقليدية وأكبرها في الصين وعدة دول آسيوية أخرى،مثل الكوريتين الشمالية والجنوبية، وميانمار وتايلاند ولاوس. وكان الصينيون في العصور الغابرة يرون أن عيد الربيع ” شهر عسل” يقضونه كلَّ عام يجددون فيه كل ما هو قديم. وفي الماضي كان الناس يعتبرون عيد الربيع ممرا يعبرونَه سنويا آملين في ذهاب السنة الماضية بكل ما هو محزن. ويُسمى أيضا بعيد لمِّ الشمل، حيث يلتقي أفراد العائلة بعد فِراق قد يمتد لسنة أوأكثر، بسبب ظروف العمل ومواقعِه المترامية في الصين الشاسعة الواسعة ، وخلال فترة العيد المليئة بأزهى ألوان المهرجانات والاحتفالات، يتمتع الصينيون، بعطلة تمتدُ لثمانية أيام هي مدة الإجازة الرسمية المقررة من الدولة ، إلا أن النشاطات الاحتفالية بما فيها الاستعدادات للعيد تستغرق أكثر من شهر، وفي منتصف الشهر القمري هذا يحتفلون بعيد الفوانيس الذي يَحِلُّ في يوم 24 من فبراير هذا العام. عيد الربيع هذه المناسبة ينتظرها الصينيون بفارغ الصبر لما لها من أهمية، وما يتخللها من فرح ومرح ولقاءات وأطيب أصناف الطعام والشراب والسفر والهدايا بكلِّ أنواعها الكبيرة والصغيرة،وليس من المُستغرَب أن تكون عودة المغتربين الصينيين إلى مواطنهم خلال عيد الربيع أكبر هجرة سنوية في العالم.
تميز احتفالات الربيع، حفلة رأس السنة الجديدة التي يُنظمها تلفزيون الصين المركزي بداية من عام 1983، لأكثر من ثلاثين عاما والتي تعد نشاطا ثقافيا وترفيهيا لا غنى عنه عندما يلتئم شمل الأسر الصينية عشية رأس السنة ،وتم تسجيل هذا البرنامج السنوي في موسوعة جينيس للأرقام القياسية باعتباره البرنامج التلفزيوني الأكثر مشاهدة في العالم. وتتضمن فقرات البرنامج باستخدام أحدث تقنيات التكنوليوجيا الفائقة العروض الفنية المتنوعة في بث حي للحفل على شاشات عملاقة تم وضعها في أكثر المناطق ازدهارا في المدن الصينية، ولأهمية هذه الحفلة ،هناك من يقول ويؤكد أن الإعداد لها يتطلب عاما كاملا !! حيث يبدأ المعنيون عملَهم بعد انتهاء حفلة رأس السنة ويستمرون بالإعداد لحفلة العام المقبل !! ومهما كان احتمال المبالغة في هذا القول، فإنَّه يؤكد أهميةَ المناسبة وهذه الحفلة بالذات للصينيين.
عيد الربيع في الوقت الحاضر
————————————-
مع تطور العصر، تظهرعادات جديدة في عيد الربيع، تضيف ألوانا جديدة لهذا العيد القديم وفي غمرة الحديث عن هذا العيد التقليدي، يبرز سؤال مفاده: هل ظل هذا العيد محافظا على تقاليده وجذوره بأكملها ؟ الجواب هو نعم بينما يشتكي بعض كبار السن من فقدان تقاليد عيد الربيع لبعض بريقِها الخاص وسحرِها الجذاب، ويقولون إنَّ بهرج الحياة الحديثة وزحمتها ومضامينَها المتنوعة الأخرى تُلقِي بظلال ثقيلة على بريق هذه المناسبة التقليدية العريقة، الأمر الذي يجعلهم يشتاقون ويحنون لتلك السنين الخوالي التي كانت رغم بساطتها وبعض الحرمان فيها، أجمل وأكثر تلاحما من هذه الأيام التي ظهر فيها الإنترنت ليكون بديلا عن التواصل المباشر المليء بالمودة والأحاسيس الدافئة، وظهرت فيها الرسائل الإلكترونية (عبر التطبيق الصيني الويشات ووسائل التواصل الأخرى) والرسائل النصية القصيرة عبر الهواتف المحمولة، لتكون بديلا عن بطاقات جميلة ملونة بمشاعر المحبة اعتاد الناس على رؤيتِها وتسلمها في مثل هذه المناسبات السعيدة ، وتزدان أيضا الأحياء الصينية حتى في المدن الرئيسية في البلدان المختلفة بالعروض الشعبية في عيد الربيع الصيني ،كما .أصبحت مشاهدة الأفلام حدثا بارزا في احتفالات عيد الربيع في العقد الأخير، فتحقق دور العرض السينمائية إيرادات مذهلة، ومع الانشغال في العمل أو الدراسة، تعد عطلة عيد الربيع أجمل الأيام في العام فهي أطول عطلة في السنة، لذلك يفضل الصينيون في هذه العطلة إما السياحة داخل الصين أو خارجها
مأدُبة وهدايا ليلة عيد الربيع
————————————-
إن مَأدبة عَشاء رأس السنة تُقام عادة في بيوت الأقارب كبار السن. وتُعِد نساءُ الأسرة طعام وجبة العشاء، بينما ينهمكُ الرجال في كتابة شعارات عيد الربيع. وعلى هذه المأدبة الفخمة يُفضل أفراد الأسرة الصينية تناول أطعمة متعددة أهمها (جياوتسى ) الذي يٌعدونه بأيديهم خلال أيام العيد تعبيرا عن التضامن والتفاهم بين أفراد الأسرة وفي الوقت الراهن يتمتع الصينيون والشباب خاصة بحياة تجمع بين الحضارات التقليدية والمعاصرة. يتبادلون التهنئات ويتلقى أطفالهم العيدية من أجدادهم ، يُلصق الناس عادة دوبيتات الشعر الحمراء لعيد الربيع على أبواب المنازل ، ويكتبون مقطع اللغة الصينية “فو” الذي يَعني السعادة ويتبادلون التمنيات بالبركة والسعادة، ويعم اللون الأحمر رمز البهجة في الصين الشوارع والبيوت وحتى ملابس الناس.
في ثمانينيات القرن الماضي، كانت مشتريات عامة الناس في عيد الربيع تشمل كَمية من اللحوم وبعض الملابس الجديدة،وفي تسعينيات القرن الماضي، انتشرت هدايا السنة الجديدة التي تعزز الاهتمام بالصحة والتغذية ومنتجات الرعاية الصحية ، حاليا صارت الإلكترونيات الاستهلاكية الحديثة مثل الهواتف الذكية وأجهزة التابلت والساعات الذكية هي هدايا الشباب المحببة ، بينما يفضل بعضهم تقديم الأجهزة المنزلية الذكية لكبار السن في الأسرة.
ومع مرور السنوات صارت الثقافة الصينية تحظى باعتراف متزايد في بلدان العالم كافة خاصة الدول العربية التي أصبحت تشارك الصين احتفالها بهذه المناسبة في مدن وعواصم العالم.
وهكذا يتوارثُ الشعب الصيني ذكريات وأفراح وعادات وتقاليد وقائمه أطعمه مرتبطه بعيد الربيع ، فالربيع عند الصينيين هو موسم للأعياد وإعاده الأمل وتجديده ونشر الجمال على الدنيا يحتفلون ويتغنون به كما غنى له العرب منذ القدم على لسان شاعرهم البحتري الذى عاش في العصر العباسي وأنشد قائلا:
أتاك الربيع يختالُ ضاحكا من الحُسن حتى كادَ أن يتكلما
أسامة مختار
خبير بمجموعة الصين للإعلام





