بين مسقط والمنامة أرض تتجدّد في الذاكرة والوجدان

بقلم: حمود بن علي الطوقي
كلّما تطأ قدماي أرض البحرين، أشعر أنني أعود إلى بيتٍ أعرفه منذ زمنٍ بعيد. فهذه الأرض لا تُستَقبل بالمسافات، بل بالعاطفة والذكريات، وبالدفء الإنساني الذي يميّز أهلها. زيارتي إلى البحرين ليست حدثاً عابراً، بل هي حالة متجددة من الودّ والانتماء، تُعيدني في كل مرة إلى عمق العلاقة التاريخية التي ربطت عمان بالبحرين منذ عقود طويلة.
إن المسافة بين عمان والبحرين ليست سوى خيطٍ من الماء والهواء، بينما الجسور المعنوية بين الشعبين متينة ومتجذّرة، تمتد من التجارة القديمة إلى الفكر والثقافة والإعلام. فالبحرين كانت وما تزال منارةً خليجية مضيئة، تفتح قلبها للعرب جميعاً، وتجمع بين الأصالة والانفتاح، وبين الحداثة والهوية الراسخة.
وأحلُّ اليوم في البحرين برفقة الإخوة الأعزاء من الجمعية العُمانية للملكية الفكرية، حيث تستضيف المنامة المؤتمر الخليجي الثاني للملكية الفكرية، الذي يُعقد يوم الخامس من أكتوبر 2025 بمركز المؤتمرات في فندق الخليج. وتأتي مشاركة الجمعية ضمن جهودها الحثيثة للتواجد وتعزيز مكانتها كجمعية مهنية تُعنى بحقوق الملكية الفكرية، وتسهم في نشر ثقافة الابتكار وحماية الإبداع.
ويُعقد المؤتمر تحت عنوان: “دور القانون في حماية حقوق الملكية الفكرية في القطاع الاقتصادي: نحو بيئة قانونية محفزة للابتكار والاستثمار”، بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات الملكية الفكرية والتكنولوجيا والاقتصاد والتشريعات القانونية، بما يعكس وعيًا خليجيًا متقدمًا بأهمية حماية الإبداع كركيزة من ركائز التنمية المستدامة.
ووجودك في البحرين لا يكتمل دون أن تمنح نفسك فرصة لاكتشاف معالمها التي تجمع بين التاريخ والحداثة؛ فزيارة قلعة البحرين تُعيدك إلى عبق الحضارات القديمة، فيما يأخذك سوق المحرّق في رحلة بين الأزقة القديمة وروائح العطور والتوابل وصوت الباعة الذين ما زالوا يحافظون على نكهة المكان الأصيلة. أما باب البحرين، بواجهته التاريخية العريقة، فيظل شاهداً على تحولات الزمن ووجه المنامة المتجدد. ومن لا يتذوّق الحلوى البحرينية كمن لم يزر البحرين حقاً، فهي تتناغم في مذاقها الأصيل مع الحلوى العُمانية في حلاوة الطعم ودفء التراث، وكأنها تجسيد رمزي لتلك الروابط العميقة بين الشعبين الشقيقين. كما تبهر الزائر واجهات المنامة البحرية وجزر أمواج وخليج البحرين بتنوعها العمراني، بينما يظل متحف البحرين الوطني نافذة مشرعة على الذاكرة والثقافة الخليجية.
ولا يكتمل الحديث عن البحرين دون ذكر مدينة اللؤلؤة الحديثة، تلك الوجهة الساحرة التي تمزج بين الهندسة المعمارية العصرية وروح الخليج الأصيل، حيث تحتضن المراكز التجارية الراقية والمتاجر العالمية، وتتيح تجربة تسوق ممتعة تنسجم مع الأجواء الهادئة للبحر والمناظر الخلابة. وفي كل زاوية من هذه المدينة، تجد لمسات من الثقافة البحرينية الأصيلة، بدءًا من الحرف التقليدية وصولاً إلى الأكلات الشعبية الشهية التي تعكس غنى المطبخ البحريني؛ من السمك الطازج والمجبوس إلى الهريس والكليجة، والتي تتناغم بروحها ومذاقها مع المطبخ العُماني، فتشعر وكأن كل لقمة هي جسر يربط بين ثقافتين شقيقتين.
ولعلّ من الدلالات البارزة على مكانة البحرين ودورها في الحقل الإعلامي والثقافي، احتضانها لمقر اتحاد الصحافيين الخليجيين، وهو ما يعكس الثقة والمكانة التي تحظى بها في تعزيز التواصل المهني والإعلامي بين أبناء الخليج. هذا الموقع يعبر عن تقديرٍ خليجي جماعي لدور البحرين الريادي في دعم الكلمة الحرة والإعلام المسؤول.
في البحرين، تلتقي البساطة بالعمق، والحداثة بالتاريخ، والعلاقات الإنسانية الصافية بروح الخليج الأصيل. وكل زيارة إليها هي تأكيدٌ على أن العلاقات بين عمان والبحرين ليست علاقات رسمية فحسب، بل هي روابط وجدان ومصير مشترك، رسّختها الأجيال وحافظت عليها المحبة.
لهذا، كلّما أعود من البحرين، أحمل معي شيئاً من روحها، وكأنها تقول لي: “عد متى شئت، فالأرض تعرف خطاك، والقلوب هنا تحفظ الودّ القديم.”





