حقيبة ورق.. عندما تلتقي الامبراطوريتين

حمود بن علي الطوقي

تزيّنت العاصمة التركية أنقرة لاستقبال جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، سلطان عُمان، في زيارة هي الأولى له إلى جمهورية تركيا منذ توليه مقاليد الحكم في 11 يناير 2020، ووصفتها الصحافة والاعلام التركي. بالزيارة التاريخية هذه الزيارة تجسد مسيرة العلاقات التاريخية حيث المسافة المتحركة بين الامبراطوريتين تمتد لنحو خمسة عقود و عرفت عمان بامبراطوريتها التي عبرت سمعتها ما وراء البحار وعرفت الامبراطورية العثمانية بدورها التاريخي .ان هذه المساحة المتحركة تعود وتقارب من جديدة خلال الزيارة الرسمية التي يقوم بها السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه وهي زيارة بالغة الأهمية حيث كان في مقدمة مستقبليه الرئيس طيب اردوغان هذه الزيارة تُجسّد وتعيد عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون المشترك. تاريخيا تشير المصادر ان العلاقات بين سلطنة عُمان وجمهورية تركيا تمتد إلى أكثر من خمسة قرون، حيث تطورت عبر التاريخ لتأخذ أشكالًا مختلفة تماشياً مع الظروف السياسية والاقتصادية. وعلى الصعيد الدبلوماسي، تعود العلاقات الرسمية بين البلدين إلى أكثر من 50 عامًا، إذ افتتحت السلطنة سفارتها في أنقرة عام 1985، بينما افتتحت تركيا سفارتها في مسقط عام 1986، مما أرسى دعائم التعاون الرسمي بين البلدين.خلال العقود الأربعة الماضية، شهدت العلاقات الثنائية تطورًا ملحوظًا، حيث اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومن أبرزها المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، التي تتصدّر أجندة البلدين، ورفضهما الصارم للعدوان الصهيوني على غزة وفلسطين. وفي سياق التطور في الجوانب الاقتصادية يمكن ان نلاحظ ذلك من خلال الاتفاقيات المتبادلة وجاء المرسوم السلطاني السامي الصادر في مارس الماضي ليصدّق على اتفاقية التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والفني والعلمي والثقافي بين البلدين، إلى جانب التصديق على ثماني اتفاقيات رئيسية تشمل التعاون القانوني والقضائي، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتجنب الازدواج الضريبي، والنقل البري الدولي، والتعاون الجمركي، وحماية وتشجيع الاستثمارات، والخدمات الجوية، بالإضافة إلى الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا.اقتصاديًا، تشهد العلاقات التجارية بين سلطنة عُمان وتركيا نموًا متسارعًا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري أكثر من 1.3 مليار ريال عُماني منذ عام 2020 وحتى يوليو 2024. وسجلت الواردات العُمانية من تركيا 901 مليون ريال، في حين بلغت الصادرات 460.4 مليون ريال، مع إعادة تصدير بقيمة 34.2 مليون ريال. هذا الزخم التجاري يعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويعزز الآمال بمزيد من التعاون في المجالات الاستثمارية، خصوصًا في منطقة الدقم الاقتصادية التي تمثل منصة حيوية لجذب الاستثمارات التركية في قطاعات الصناعة والطاقة.و على صعيد آخر، يمثل القطاع السياحي مجالًا واعدًا للتعاون، حيث إن الخطوط الجوية المفتوحة بين البلدين توفر فرصة لتعزيز التبادل السياحي. ويمكن لعُمان الاستفادة من التجربة التركية الرائدة في مجال تطوير المنتجعات السياحية، ما يسهم في تعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية.كاعلام ومتابعين نرى ان هذه الزيارة تمثل علامة فارقة، في تعميق العلاقات بين البلدين وهي فرصة كبيرة لإعادة النظر في اتفاقيات سابقة تعثرت بسبب الظروف الاقتصادية ومنها جائحة كورونا، ويجب على البلدين العمل معا لاحياء التعاون في مجالات متنوعة لتحقيق المصالح المشتركة. كما نرى ان هذه الزيارة تحمل تطلعات جديدة لرسم خارطة طريق تُمكّن البلدين من تعميق الشراكة الاقتصادية والاستثمارية، لتُضيف صفحة جديدة في سجل العلاقات بين عُمان وتركيا، وترسّخ دورهما كشريكين استراتيجيين في المنطقة.عندما اتحدث عن تركيا تحملني العديد من الزكريات فكانت زيارتي الأولى لتركيا في منتصف التسعينيات القرن الماضي حينها كانت تركيا بلدًا متأخرا يعاني من ظروف اقتصادية على الرغم من مكانتها الحضارية بين الشعوب، إلا أن الجانب الاقتصادي كان معدومًا، وكانت تركيا آنذاك تعيش ظروفًا صعبة جعلت المواطن التركي يجوب العالم بحثًا عن لقمة العيش. تركيا اليوم، في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، أصبحت رقمًا صعبًا بكل المقاييس، محققة إنجازات ضخمة ونهضة تنموية شاملة. أنهت ديونها تمامًا، بل أصبحت دولة مقرضة بعد أن كانت تتسول من صندوق النقد الدولي. الرئيس طيب اردوغان و تحت قيادته لحزب العدالة والتنمية، الذي وصل إلى السلطة في عام 2002، استطاعت تركيا التحول من دولة مثقلة بالديون والأزمات إلى واحدة من أكبر 20 اقتصادًا في العالم، وتطمح للدخول ضمن العشرة الكبار بحلول عام 2033.العالم اجمع ينظر الى تركيا اليوم كوجهة اقتصادية و سياحية عالمية، تستقطب نحو 40 مليون سائح سنويًا، مع خطط طموحة للوصول إلى 60 مليون سائح. ومن خلال منظومة تشريعية متقدمة، جذبت المستثمرين الأجانب وحققت توازنًا اقتصاديًا قويًا. ما يجعلنا كعمانيين ان ننظر الى جمهورية تركيا كشريكًا اقتصاديًا واستراتيجيًا مهمًا و على السلطنة أن تستفيد من هذه السوق التركية الضخمة ومن التجربة التنموية الملهمة، خاصة في القطاعات الصناعية، وإنشاء المناطق الحرة، وتعزيز التعاون السياحي والثقافي والتعليمي. الشعب التركي ينظر بإيجابية للسوق العمانية، ويمكن للعلاقات السياسية الممتازة أن تمهد الطريق لشراكات اقتصادية واستثمارية تلبي تطلعات البلدين، وترتقي بالعلاقات الثنائية إلى مستوى جديد من التعاون المثمر يعود. بالنفع بين البلدين الصديقين والشقيقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى