الشعب الفلسطيني حيّ هو وقيادته السياسية

تحسين يقين

تحسين يقين
كان ذلك في مرحلة ما بعد بيروت 1982، ولكل منا أن يتذكر ما كان، كل حسب عمره ومكانه.
لجيلنا، أي أولاد صفي المولودين عام 1967، كنا فتيانا في اجتياح لبنان، وما تلا ذلك من تطورات للقضية الفلسطينية، خاصة حين تمت محاولة شقّ حركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير، بعد ذلك بعام، لجيلي أن يتذكر تلك التفاصيل التي كانت مصدر تكويننا السياسي والفكري، والذي كان من الصلابة لدرجة أن الاحتلال راح يخطط لضرب هذه البنية الوطنية لأبناء وبنات شعبنا، وليس فقط لجيلنا.
كان شعارا سياسيا رددناه في مدرسة الملك غازي في بلدة بدو شما غرب القدس، كنت ابن 16 عاما، حيث أعجبني اللغة الجمعية:
الشعب الفلسطينيّ حيّ، هو وقيادتو السياسية.
جميلا كان فهمنا، حين تعمق لدينا معنى الحياة والوجود والحضور؛ فالأصل هو الشعب، وأهم تجلياته هو الوجود الحيّ واقعا ومستقبلا. وكذلك تعمق لدينا أمر آخر لا يقل أهمية، ألا وهو أن لهذا الشعب قيادة سياسية، مثله مثل بقية الشعوب.
هكذا كان وعينا يتشكل، ولم نكن نجد كبير فرق بين التيارات السياسية التي كانت موجودة، بل كان الاحترام سائدا، وكنا نقوى بجميع الطلاب في الملعب، كانت قوتنا جميعا تقوي كل طالب فينا. بعد ذلك حين كانت تتيسر لفتى قرويّ مشاركة في تجمع وطني في القدس ورام الله، كنا نشعر بسحر التحرر، حيث نطلق نداءاتنا ضد الاحتلال، في حين كان الشباب حاملو الأعلام ورماة الحجارة يثيرون الحيوية والشجاعة والفخر؛ فكيف يفعلون ذلك بكل هذه القوة لا يخافون؟
كان الشعب حيا، وما زال، وكل شعب حيّ قادر أن يحضر دوما، كذلك تحضر القيادة السياسية، في أهم مفاصل العمل السياسي في ظل علاقات دولية صعبة ومتشابكة.
هذا هو الشعب، وهو وقيادته معا، في طريق تقوية الحضور، سيصبح الشعب كما قيل على قلب رجل واحد، كما يصبح القائد قلوبا كثيرا.
وتعلمنا من التاريخ أن الشعوب لا تقهر، وإنها بالوجود معا تبقى وتنتصر وتبدع الحياة.
لنفكر قليلا، ترى ماذا سيكسب شعبنا وقضيتنا حين يتم العبث بالوحدة الوطنية والشرعية السياسية؟ وماذا سيكسب شعبنا حين لا يجد البعض شيئا ليفعله إلا الشتم والهجاء والتهجم غير المبرر على العرب والعروبة؟
الآن، في ظل بداية استعادة الروح العربية لروحها، ليس أمامنا إلا الفعل الإيجابي، وهو يبدأ من هنا. وقد بدأ فعلا في تقديم الحكومة لشعبنا في غزة ما أمكن بشكل مستمر على تقوية البقاء. وبالرغم من أية اختلافات، فإننا الآن أقرب الى مضمون المقولة “أنقذني أولا ودع الملامة ثانيا”، تلك العبارة التي قالها غريق ردا على لوم المنقذ.
في القمة العربية مصغرة كانت أو كاملة، سيكون الموقف واحدا وهو التأكيد على مبادرة السلام العربية، وبكوننا معا، فإن الحجر العربي الذي أهمله البناؤون طويلا في الولايات المتحدة وجزء من أوروبا سيكون الحجر الأساس.
“الله بجعل من القليل كثير يا ستي”، ولهذا فإننا شعرنا بقوة سنكون كذلك، وهكذا تصبح نقاط الضعف نقاط قوة، فنمضي، وليس لنا إلا أن نمضي.
وحتى نكون إيجابيين، فكل واحد منا يعرف ما المطلوب منه فعلا، شعبا قيادة، وإدارة حكومية. نحن شعب قريبون من بعضنا ونعرف بعضنا بعضا، فليكن شعار عملنا كل بما وهب (بضم الواو وكسر الهاء).
عودا على بدء: الشعب الفلسطيني حيّ هو وقيادته السياسية، فإننا بهذه الحياة نحيا ونواصل الحياة، وخلال ذلك ليس من الخطأ تذكر ما كان من خطط خبيثة هدفت دوما الى بث الفرقة، خصوصا ما بدأنا نلاحظه آخر السبعينيات وصولا لمنتصف الثمانينيات، حين شجعت سلطات الاحتلال تفريقنا، حين غضت طرفها عن انتشار الإسلام السياسي، علما بأن الضفة الغربية وقطاع غزة الواقعتين تحت الاحتلال، ليستا مكانا لإقامة الدولة الإسلامية، فلماذا إذن كان ما كان؟ كنا في الحركة الطلابية فتيانا وشبابا نسير بخطى واثقة وطبيعية تماما، حين بدأت عمليات الاستقطاب التي للأسف وقعنا في فخها، ولكن سرعان ما استدركنا حين رأينا البوصلة لا تتجه الى القدس الا وهما. وعدنا لنلوذ بالحركة الوطنية، التي سرعان ما استعادت الروح في التاسع من كانون الأول عام 1987.
من حق كل فئة أن تراجع تاريخها، بشرط الاتجاه نحو المستقبل بأساسه الوحدة الوطنية، بيت قصيد تحقيق المشروع الوطني.
والآن، بهدوء، لعلنا جميعا، الكل الفلسطيني، بتياراته المختلفة، نبدأ بتقوية قيادتنا السياسية لا ضربها والانتقاص منها. إن التفاف القوى السياسة حول القيادة لا يعني إلا التفافها حول نفسها، مؤكدة على نبل الفرسان الكل للواحد والواحد للكل.
حين نكون معا، لا يمكن أن تستفرد لا دولة الاحتلال ولا غيرها بأية فئة فلسطينية، لأن لسان حالها هو صوت الجماهير، صوت الشعب، كذلك الحال بالنسبة للدول الشقيقة التي حين تكون معا فوق الطاولة وتحتها، ستزداد قوة وشرعية، بل وتستعيد المزيد من دعم الشعوب العربية، فلن يبقى أمام الاستعمار إلا الوقوف أمام الشعوب، ومعروفة نتيجة هذا الفعل.
وعليه، فليكن الإعلام الاجتماعي متكئا للوحدة، وواعيا على خطر التشظي. وليكن الإعلام من مختلف وسائله وأشكاله سدا منيعا أمام استفراد الاستعمار بنا.
الكلمة سرّ وسحر ومفاتيح، قد نلوم ونعاتب، لكن أبدا لا نعيب ولا نعادي بعضنا بعضا، لدرجة السخرية حين نرى “البعض” صار همه معاداة الذات العربية أكثر من معاداة الاحتلال.
سقيا لتلك الأيام النقية، حين كان تجمعنا في ملاعب المدارس وساحات القرى والمدن تجمعا رائعا، وحدويا، طبيعيا، ولعلي أختم بحادثة جرت أمامي، في الشارع الرابط بين ميدان الساعة وميدان المنارة أوائل التسعينيات.
كان ما يسمى بضباط الإدارة المدنية أو غيرهم، يمرون بأريحية في سيارة عادية في الشارع، لم نكن نلاحظ ذلك، كنا منشغلين بما جئنا لأجله. وخلال ثوان فقط. نفذت فتاتان أو ثلاث فعلا جميلا. كن على جانب الطريق يتحدثن بشكل عاديّ، ولم يكن ليخطر في بالنا شيء أبدا، ثم حين صارت سيارة المحتلين محصورة بين السيارات، إذا بالفتيات بأسرع ما يمكن، يقتربن من السيارة ملقيات الحجارة عليها، فهشمن الزجاج بقوة غضبهن، وقد مرّ بعض وقت حين خرج من في السيارة ليطلق الرصاص ترهيبا، في حين طارت الصبايا. ثم كان ما كان من استقدام الجيبات وإطلاق المزيد من الرصاص، والقنابل المسيلة للدموع. ما علق بذهني وبصري وقتها هو سحنات الفتيات الضاحكات وهن يختفين من المكان.
ذلك هو شعبنا، وتلك هي قيادته التي ستظل متمسكة بمشروعنا الوطني.
الشعب الفلسطيني حيّ هو وقيادته السياسية، وأمتنا العربية حية أيضا. من قال غير ذلك؟
Ytahseen2001@yahoo.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى