القيادة الإنسانيةً شعارها الود والاحترام

بقلم: نجاة بنت علي شويطر
(القيادة لا تتمثل في السيطرة على الآخرين، بل في تمكينهم)
«جونً سي ماكسويل»
الحب هو أسمى معاني الوجود، هو شعور عميق من الإحساس بالأمان والراحة، ينعش النفوس ويغذيها بالسلام الداخلي. والحب ليس فقط مشاعر عابرة، بل هو قوة خارقة تؤثر في سلوك الأفراد والمجتمعات على حد سواء، هو بمثابة الضوء الذي ينير الظلام، يمنح الحياة معاني جديدة ويجعل من كل تحد فرصة للنمو والتطور.
وفي عالم الأعمال المعاصر، أصبح مفهوم «الإدارة بالحب» أحد الأساليب الأكثر نجاحًا في قيادة المؤسسات. فلم يعد القائد مجرد شخص يعطي أوامر ويحدد مهام، بل أصبح هو الشخص الذي يلهم ويحفز فريقه، ويخلق بيئة عمل تزدهر فيها العلاقات الإنسانية، مما يسهم في زيادة الإنتاجية وتعزيز الولاء المؤسسي.
الإدارة بالحب هي أسلوب قيادة يعتمد على بناء الثقة والاحترام المتبادل بين القائد وموظفيه. هذا لا يعني أن القائد يتجنب اتخاذ القرارات الصارمة أو تحمّل المسؤوليات، ولكنها تعني أن القائد يمتلك القدرة على الاستماع، ويفهم احتياجات موظفيه العاطفية والنفسية والمهنية، فعندما يشعر الموظف بالتقدير والاحترام من قائده، فإنه يصبح أكثر التزامًا وعطاءً، ويشعر بالحافز الداخلي لتحقيق أفضل أداء.
إن مفهوم الإدارة بالحب لا يتطلب موارد ضخمة أو استثمارات مالية، بل هو عمل قائم على التقدير البشري. القائد الذي يقود بحب يمكنه تحفيز فريقه بأسلوب شخصي وإنساني، مما يعزز الروح المعنوية ويشجع على الإبداع والابتكار. وبفضل ذلك، يمكن للمؤسسة أن تحقق أهدافها بطريقة أسرع وأقل تكلفة.
وتبنى الإدارة بالحب على عدد من الأسس:
1 – التعاطف والفهم: يجب على القائد أن يكون لديه قدرة على فهم مشاعر موظفيه. يتعين عليه أن يكون مدركًا للظروف التي يمر بها كل فرد داخل أو خارج العمل، وأن يتعامل مع هذه التحديات بحساسية.
2 – التواصل الفعّال: يشكل التواصل الواضح والمفتوح حجر الزاوية في الإدارة بالحب. فحين يشعر الموظفون أنهم يستطيعون التعبير عن آرائهم بحرية ودون خوف من العواقب، يصبح لديهم دافع قوي للإسهام بأفكار ومقترحات جديدة.
3 – التقدير والاعتراف: العاملون في بيئة تقدر جهودهم ويعترف بهم قائدهم يشعرون بالراحة النفسية ويزيد ولاؤهم للمؤسسة. يمكن أن يتخذ ذلك شكل كلمة شكر أو مكافآت معنوية أو فرص لتطوير مهاراتهم.
4 – الثقة والاحترام المتبادل: عندما يشعر الموظفون بالثقة في قائدهم، فإنهم يصبحون مستعدين لتقبل التحديات والمخاطرة بالابتكار، من الضروري أن يكون القائد صادقًا وأمينًا، وأن يفي بوعوده.
5 – دعم النمو والتطور: القائد الذي يحب فريقه يسعى دائمًا إلى تطويره. يشجع على الإبداع ويشجعهم على تجاوز حدود إمكانياتهم.
ومن إيجابيات الإدارة بالحب:
{ خفض التوتر والضغط النفسي: بيئة العمل المحبة والمساندة تعزز الراحة النفسية للموظفين، مما يقلل من التوتر والإجهاد ويسهم في تحسين الصحة العامة.
{ تعزيز الولاء والانتماء: يشعر الموظفون بالانتماء للمؤسسة عندما يكونون في بيئة محبة وداعمة، مما يرفع مستويات التزامهم وولائهم.
{ تقليل الصراعات السلبية: عندما تكون العلاقات قائمة على الحب والتفاهم، تقل الصراعات بين الأفراد داخل المنظمة.
{ زيادة الإنتاجية: بيئة عمل مدعومة بالحب والاحترام تسهم في رفع مستوى الأداء والإنتاجية بشكل أسرع وأفضل.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً يحتذى في القيادة بالحب. فقد عرف بتواضعه وعطفه واهتمامه بكل فرد من أفراد المجتمع سواء، كان دائم الابتسام، رحيمًا ودودًا، وقد أثمر ذلك حبًا عميقًا وولاءً من الجميع. القيادة بالحب عنده لم تكن مجرد كلمات، بل كانت أسلوب حياة يتجسد في كل أفعاله.
وجاء حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: «يُسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». كأفضل ما قيل في أسلوب القيادة بالحب فهو نهج يتسم باللطف والتسامح، بعيدًا عن القسوة أو التعقيد.
ختامًا، القيادة بالحب هي أكثر من مجرد أسلوب إداري، إنها فلسفة حقيقية تُحفز النجاح المستدام وتبني علاقات قائمة على الاحترام والتفاهم. القائد الذي يقود بحب يمكنه أن يخلق بيئة من التعاون والولاء، مما يسهم في تحقيق أهداف المؤسسة على المدى البعيد. ورحم الله الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه القائل: «من لا يُحسن حب الناس، لا يُحسن قيادة الناس».
nshowaiter98@gmail.com