انتبه من فضلك.. إذا كانت رحلتك إلى الشمال الإيراني

خاص/ الواحة

اعداد  بدر بن ناصر الوهيبي

قبل أن تحجز عطلتك العائلية في شمال إيران هذا الصيف، إليك تجربتي،

فقد حجزت لقضاء الصيف الماضي في شمال إيران مع أمي وعائلتي، ولأن الوجهة الرئيسة كانت منطقة كلاردشت؛ فإن الإقامة كانت هناك، واقتنصت عرض إحدى الشركات السياحية التي تضمنت التذاكر والإقامة والجولات السياحية مع الترجمة.

وبمجرد الوصول إلى مطار طهران الدولي كان مندوب الشركة في انتظارنا، وانتقلنا مباشرة إلى فندق ريكسوس (خمس نجوم) لقضاء ليلة الوصول قبل التوجه الى كلاردشت شمالا.

وأول ما لفت إنتباهي في هذه الرحلة هو العدد الضخم من العائلات العمانية، وما أثار استغرابي أن من يقوم بتنسيق هذه المجموعات شخص واحد (شركة إيرانية واحدة) رغم أن كل عائلة اتفقت مع شركة مختلفة في عمان.

في الصباح كان لا بد من الانتقال إلى كلاردشت، وهناك بدأت المعاناة، كانت العائلات العمانية بمختلف حجوزاتها تنتظرها سيارات من نوع فان صغير إيراني الصنع، وكل سيارة تختلف حالتها ونظافتها عن الأخرى، ولكن لا أهمية للشركة التي قمت بالحجز معها، فأصبح المندوب الإيراني يوزع العائلات بشكل عشوائي وتنطلق كل حافلة صغيرة بمن فيها، بدأت الكثير من العائلات تتذمر من الوضع ، فالاتفاق يتناقض مع الواقع حسب إفادتهم، ناهيك عن أن معظم تلك المركبات بدون مكيفات في حرارة طهران الملتهبة.

وقبلت على مضض تلك التوصيلة على أمل أن تتحسن الأوضاع في كلاردشت، وليتني لم أقبل، الحرارة متعبة في طريق طويل ومتعرج في نصفه، ناهيك عن عدم توافر الخدمات الأساسية أو شحها (خدمات دورات المياه).

وما زاد الطين بلة أن السائق لم يكن يعرف أيا من اللغة العربية ولا الانجليزية وهذا ما جعلنا نبقى بدون أي وجبة منذ نزولنا من الطائرة ليلة الأمس حتى وصولنا إلى كلاردشت بعد الظهر، وعدم توفر شريحة الهاتف حتى تلك الإثناء قطع هنا سبل التواصل مع الشركة.

قيل لنا أن السيارة والمترجم والسائق سيتغير بمجرد وصولنا إلى كلاردشت، وهذا ما حدث فعلا، فهذا الشخص كانت مهمته إيصالنا إلى كلاردشت ويعود من جديد إلى طهران دون أن تكون له أي علاقة بالشركة العمانية أو تلك الإيرانية.

عند الوصول التقيت بالشخص الذي ينسق كل شي لمعظم مكاتب السفر العمانية في شمال إيران، هذا الشخص يجب أن أعترف بأنه دمث الخلق وصاحب كلمة ومحترم بشكل كبير، ويجب معرفة هذا الجانب قبل مواصلة السرد.

أخذنا مدير الشركة إلى الشقة التي تم الاتفاق عليها قبل الرحلة، ولكن كانت هناك صدمة أخرى تضاف إلى قائمة صدمات هذه الرحلة، فكل اتفاق جرى بينك وبين المكتب في عمان، لا اتوقع أن ينطبق عندما تكون هناك.

الشقة عبارة عن ملحق في بيت أسرة إيرانية، أثاث عتيق جدا، مرافق متهالكة، دورة مياه يتيمة وبها أعطال كبيرة، والمصيبة الكبرى هو عدم وجود تكييف في هذه الشقة (الطقس في كلاردشت حار جدا خلال الصيف في ظل عدم وجود السحب)

عدت مباشرة إلى المدير وابلغته اعتراضي؛ فالشقة التي حجزتها كانت كذا وكذا، واريته صور الشقة التي حجزتها عبر مكتب عمان، فتفاجأت أنه يقول: أنتم تسكنون الآن في أفضل شقة في كلاردشت وكانت هناك توصية من مكتب عمان لكم فاخترنا لكم هذه الشقة (اكتشفت أن هذا الكلام كان يقال للعائلات العمانية الأخرى في سبيل أن يقبلوا بالوضع الحالي والسكن في تلك الشقة)

أرسلت ملاحظاتي إلى صاحب المكتب الذي اتفقت معه، وأبدى مساعدته مباشرة لأن المكتب كان متعاونا كذلك محترم، ووعد بوجود حل مناسب لعائلتي (هنا ندرك أن هناك فجوة كبيرة في التواصل بين مكاتب عمان وشركة إيران يقع ضحيتها المسافر)

فعلا تواصل معي مدير الشركة في إيران ووعد بان ننتقل إلى شقة فندقية مكيفة ونظيفة ومناسبة (وهو ما تحقق بالفعل وكان الحل مرضي بالنسبة لي) هنا يجب أن أعترف بأن هناك عائلات عمانية كانت قد قبلت بالبقاء في نفس الشقق وكان التذمر حاضرا لما التقينا في الجولات والأسواق.

التحديات التالية كانت تحدث على نطاق الجولات والزيارات في كلاردشت في الاسبوع الذي أقمنا فيه:

أولا: السائق ومستوى المركبة ودرجة اجادة السائق للغة العربية تخضع للحظ بين المسافرين وكذلك تخضع للتغيير المستمر (يمكن أن تكون اليوم مع سائق ومترجم مناسب وسيارة نظيفة وحديثة، وتتفاجأ بالتغيير في اليوم التالي وكأن يجب عليك أن تقبل بالأمر الواقع).

ثانيا: كثير من الأسر العمانية تسافر للمرة الأولى، أو أنها لم تجرب السفر إلى وجهات تختلف فيها التجربة؛ لذلك تجدهم راضين عن مستوى الخدمة والتجربة وكأن لسان حالهم يقول: هذا هو الوضع الطبيعي للسفر والسياحة (هؤلاء تجدهم لقمة سائغة أمام الشركة السياحية في ايران وتفرض عليهم ما لا تستطيع فرضه على غيرهم)

ثالثا: الطقس في شمال إيران من المفترض أن يكون باردا أو معتدلا وجاذبا للسياح؛ ولكن الوضع خلال السنوات الماضية أدى الى زيادة الحرارة ولم تعد كلاردشت باردة كما كانت قبل عقود، وهذا الطقس يتحسن لمجرد وجود السحب وهطول الأمطار (الصيف يعتمد على الفرص والحظ)

رابعا: في بعض الأيام كنت التقي مع المدير الإيراني وهو بدوره يفصح لي عن بعض الجوانب التي تتعلق بعمله مثل الضغط الشديد الذي يعانيه لأنه يستحوذ على سوق السياحة في كلاردشت ، وكنت فعلا لا أستطيع أن اتحدث معه دقيقة واحدة دون أن يرن هاتفه ويضطر للرد والاتصال والتنسيق.

هذا المدير نفسه لا يشجع الأسر العمانية على قضاء الصيف في كلاردشت بسبب المناخ المتقلب، وهو يواجه مشاكل مع السياح بسبب توقعاتهم والفجوة التي يحدثها واقع الطقس في معظم الأيام، فتراهم ساخطين على هذه الشركة وموظفيها.

خامسا: كل تلك الأسر التي نزلت معك من نفس الطائرة ستجدها معك في الفندق الاول وفي كل الجولات السياحية في عموم كلاردشت والمناطق الاخرى مثل رامسر وجالوس، هذا قد لا يناسب بعض الأسر وكذلك التجربة قد تكون غير مناسبة بشكل عام.

سادسا: مرة بالغ المدير في وصف منطقة تقع داخل مرتفعات وغابة، فاقترح أن نذهب إليها والاستمتاع بالشلالات والبحيرات والشواء هناك، هذا التخيل كفيل بأن يأخذك الى عالم آخر جميل، ولكن الصدمة تكمن في التالي:

1. المنطقة بعيدة جدا ويجب أن نذهب في سيارات دفع رباعة غير مناسبة اطلاقا للأطفال

2. بعد ساعتين ونصف وصلنا اخيرا إلى الشلال الموعود (شلال بحجم اصغر فلج معنا ينزل من مرتفع جبلي لا يوجد به اي نوع من الاغراء السياحي)

3. كانت هناك عائلة عمانية سبقتنا إلى أفضل مكان يمكن أن يجلس الشخص مع عائلته. مع عدم وجود أماكن أخرى للجلوس، فتصرفنا للجلوس على قارعة الطريق الذي يبدو أنه لا سيارات تسلكه.

4. توافدت بعدها العائلات العمانية التي التقينا نصفها في الطائرة وكل أسرة يجب عليها ان تجد لها موطئ قدم للجلوس وشوي اللحوم التي احضروها دون ان تكون هناك بحيرات وأماكن بديلة في المكان

5. المكان غير مخدوم ابدا ولا توجد دورات مياه ما يجعل اقامة اي أسرة محدودة بالقدر الذي يستطيعون الصبر عن حاجتهم اليها.

6. التقيت ببعض أرباب الأسر هناك واكتشفت أن كل أسرة وعدت بهذه القطعة من الجنة (كما وعدت أنا) وخاب ظنهم في ذلك.

7. كان عليك العودة في طريق وعر مدة ساعتين لينتهي بك هذا اليوم في الشقة دون أن تستفيد من هذا اليوم

وحتى لا أبخس كلاردشت حقها؛ فانها كانت غائمة في بعض الايام وكانت جميلة بالفعل؛ إلا أنه لا يوجد ما تفعله وذلك السوق (أسعاره سياحية ومبالغ فيها) الصغير يمكنك التجوال فيه خلال ربع يوم.

العودة الى طهران كانت مختلفة؛ فقد حالفنا الحظ أن نعود في سيارة مكيفة وشبه حديثة وسائقها يعرف قليلا من العربية، ولكن الأزمة التي تسبب بها لا تغتفر؛ فقد تأخر علينا أكثر من ساعتين ونحن ننتظر وصوله إلى الفندق (وهنا يظهر مدى الضغط الذي يعاني منه صاحب الشركة وإشرافه المباشر على جميع الأسر وتأمين رحلاتهم بنفسه وهذا يفقده السيطرة على الوضع في أغلب الأحيان.

باختصار كانت تجربتي غير موفقة للأسف، وقد يكون الجذب في السعر فخ وقع فيه الكثير من المسافرين إلى الشمال الإيراني، ويجب الاقتناع بأن الخدمات السياحية في إيران متواضعة ولا ترقى لأن تكون وجهة مناسبة للأسر الباحثة عن الاستمتاع بالعطلة (اتحدث عن تجربتي الشخصية)

قالت أمي: “لو رايحين صلالة أفضل بكثير من هذه الوجهة” وأراها محقة في ذلك، وأنا أؤكد ذلك، حتى لو زادت التكلفة قليلا؛ اجعل عطلتك الصيفية في ظفار بدلا من شمال إيران.

* رحال عماني متخصص في أدب الرحلات

زر الذهاب إلى الأعلى